نحتاج
إلى خبرة في علوم الاقتصاد وتعقيدات نظرياته حتى نتمكن من قراءة بعض
الأرقام وفهم دلالاتها، خاصة إذا كانت هذه الأرقام تترجم واقعنا المر
ترجمة لا تحتاج إلى معجم يفسرها أو يشرح أبعادها.
ومن هذه الأرقام ما فاجأنا به
الرئيس أحمد عبد اللـه سامبي رئيس جمهورية جزر القمر حينما كشف النقاب عن
أن ميزانية دولته العضو في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لا تتجاوز
بجزرها المستقلة الثلاث، «[color=#3333ff]موهيلي» و«أنجوان» و«القمر الكبير» 56 مليون دولار سنوياً، بينما تنفق فرنسا 350 مليون يورو سنوياً على جزيرة مايوت القمرية التي لا تزال تحتلها حتى الآن إدراكاً منها لموقعها الإستراتيجي.
الخبر
مزعج، لكن ليس أكثر من يأس موريتانيا من تضامن العرب معها واضطرار حكومتها
قبل أيام إلى مناشدة العالم للحصول على مساعدة غذائية عاجلة لثلث الشعب
الموريتاني الذي يهدده الجفاف، حيث أكد المفوض المسؤول عن الحماية
الاجتماعية محمد ولد محمدو أن انعدام الأمن الغذائي يهدد أكثر من مليون
شخص، وأوضح أن مئة واثنتين وتسعين قرية من أصل مئتين وست عشرة في
موريتانيا تحتاج إلى مساعدة عاجلة، هنا يا سادة وحتى لا نغرق أنفسنا في
التساؤل عن حجم المبالغ التي يمكن أن تنقذ موريتانيا من هذا الخطر الداهم،
نشير إلى أنها مهما كبرت ومهما تضخمت، فبالتأكيد لن تساوي أكثر من الكسور
المهملة في ميزانيات تخريب واحتلال العراق التي تخطت سقف أربعمئة مليار دولار، سيضاف إليها نحو 90 ملياراً للسنة المالية الحالية و145 مليار دولار لسنة 2008، ويتوقع إنفاق أكثر من 50 مليار دولار على الحرب في عام 2009.
أعلم أن هذه الأرقام تتسبب في الإصابة بنوبات من «القرف»، لكن صبراً، فحالة الغثيان مرشحة للتفاقم ليس فقط حينما نعرف أن 50 مليون دولار سنوياً يمكن أن تحل الكثير من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني،
وليس
أيضاً حينما نعرف أن إنقاذ اليد العاملة الفلسطينية من الارتهان إلى
التحكم الصهيوني في أرزاقها لا يكلف الدول العربية أكثر مما تربحه من
عائدات النفط في ربع ساعة، نعم، فمعدلات إنتاج وتصدير النفط إذا استمرت
على مستوياتها الحالية، وإذا ثبت سعر البرميل عند 40 دولاراً فقط، فمن المتوقع حسب تقارير المصارف الغربية والخليجية أن تصل عائدات دول الخليج من صادراتها النفطية في عشر سنوات إلى 3 تريليونات «التريليون ألف مليار» دولار، وقد ذكر البنك الدولي في تقرير حديث له أن فوائض دول الخليج المالية لهذا العام سوف تبلغ نحو 220 مليار دولار، نظراً
لارتفاع أسعار النفط لعام 2006، ولمن يسأل بخبث أو بسذاجة: أين تذهب هذه
الأموال الطائلة؟ نحيله إلى التقرير الذي أصدره أول الشهر الجاري معهد
التمويل الدولي والذي يشير إلى أن الولايات المتحدة اجتذبت خلال السنوات
الخمس الماضية أغلبية فوائض إيرادات النفط الخليجية، وما يزيد على نصف
رؤوس الأموال المصدرة من هذه الدول، ويذكر التقرير أن المعهد قدر إجمالي
إيرادات صادرات دول مجلس التعاون الخليجي الست بما يزيد على 1.5 تريليون دولار في الفترة من 2002 إلى 2006. وأضاف: نحو تريليون دولار منها ذهبت إلى الواردات، والباقي وهو نحو 542 مليار دولار يمثل أموالاً فائضة دخلت أسواق رأس المال العالمية، وقدر التقرير أن نحو 300 مليار دولار ذهبت إلى الولايات المتحدة في حين ذهب 100 مليار إلى أوروبا ونحو 60 ملياراً إلى آسيا.. ولن تتفاقم حالة الغثيان فقط لمجرد معرفة أن متوسط دخل المواطن العراقي بفضل الحضارة الأميركية تدنى إلى[color:1155=#ff0000:1155] 41 دولاراً
سنوياً. ولا بأس من أن نختم بالإشارة إلى المبالغ الفلكية التي ينفقها
العرب سنويا على شراء سلاح لا نعرف ما وظيفته ولا من سيحارب، ومتى، فقط
نعرف أنه مجلوب من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في صفقات تكفي قيمة
واحدة فقط منها لحل كل مشكلات الوطن العربي الاقتصادية.